يرى الصحفيان ديكلان وولش ولينسي تشوتل أن انسحاب الجيش السوداني من مدينة الفاشر في إقليم دارفور يمثّل نقطة تحوّل مأساوية في الحرب الأهلية التي تدخل عامها الثالث، حيث اندفعت قوات الدعم السريع إلى السيطرة الكاملة على المدينة، وسط أنباء عن إطلاق النار على المدنيين الفارين.

وتوضح واشنطن بوست أن سقوط الفاشر جاء بعد حصار استمر 18 شهراً، خلّف أوضاعاً إنسانية كارثية وأثار مخاوف من موجة جديدة من القتل العرقي في الإقليم الذي يشهد تاريخاً طويلاً من النزاعات الدامية.

تصف الجريدة المدينة بأنها آخر معقل رئيسي للجيش في دارفور، المنطقة التي تعادل مساحة فرنسا، وأن سقوطها يعني أن قوات الدعم السريع — التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي) — أصبحت تسيطر على معظم غرب السودان، بينما تراجع نفوذ الجيش إلى مناطق محدودة في الشرق والشمال. وبدأت قوات الدعم السريع تكثّف هجماتها على الفاشر منذ أبريل الماضي، بعدما فقدت مواقعها في العاصمة الخرطوم، لتعيد ترتيب صفوفها باستخدام الطائرات المسيّرة والمدفعية الثقيلة، حتى نجحت الجمعة في اقتحام القاعدة العسكرية الرئيسية، ما دفع القوات الحكومية إلى الانسحاب نحو الأحياء السكنية.

يذكر التقرير أن الجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش، برّر الانسحاب في خطاب تلفزيوني بأنه قرار "لحقن دماء المدنيين وتجنب دمار المدينة"، لكن منظمات حقوقية وشهوداً أفادوا بأن المقاتلين الجدد في المدينة لاحقوا المدنيين الفارين وأطلقوا النار على بعضهم، في مشهد يعيد إلى الأذهان فظائع دارفور في العقد الأول من الألفية.

يشير محللون تحدثت إليهم الصحيفة إلى أن ما يجري في الفاشر ليس مجرد انتكاسة ميدانية، بل تحوّل استراتيجي يعيد رسم موازين القوى في السودان كله. فبانهيار خطوط الجيش في الغرب، تصبح البلاد منقسمة فعلياً بين سلطتين: الجيش في الشرق والشمال، والدعم السريع في الغرب والوسط. هذا الانقسام، كما يحذّر الخبراء، يفتح الباب لتفكك الدولة السودانية، ويهدد بتحويلها إلى بؤرة صراع إقليمي تتقاطع فيها مصالح مصر وتشاد وإثيوبيا ودول الساحل الإفريقي.

وتلفت الصحيفة إلى أن الفاشر تحوّلت خلال العامين الماضيين إلى رمز للصمود المدني، إذ لجأ إليها مئات الآلاف من النازحين بعد موجات العنف المتكررة في دارفور، لكن سقوطها السريع أظهر عجز المجتمع الدولي عن وقف دوامة الحرب. فبينما تدعو الأمم المتحدة إلى تحقيقات في جرائم حرب محتملة، يواصل طرفا النزاع استخدام المدنيين كدروع بشرية في معارك لا تتوقف.

منظمات الإغاثة تعلن أن الطرق المؤدية إلى الفاشر أصبحت مقطوعة، وأن المساعدات الإنسانية تواجه صعوبات كبرى في الوصول إلى آلاف الجرحى والجوعى. وفي الوقت ذاته، يزداد القلق من استغلال الميليشيات المتطرفة حالة الفوضى للتمدد داخل الأراضي السودانية، بما يشكل تهديداً إقليمياً واسعاً.

تؤكد الصحيفة أن تصريحات البرهان — الذي قال إن الجيش "سينسحب تكتيكياً لإعادة الانتشار" — تعكس في الحقيقة حالة انهيار ميداني، بعد خسائر متتالية أمام الدعم السريع الذي يستفيد من تمويل خارجي وتسليح متطور. أما على الجانب الآخر، فيحتفل حميدتي بانتصاره العسكري باعتباره "استعادة للعدالة"، رغم أن سلوكه على الأرض يذكّر بأسوأ صفحات الحرب الأهلية في دارفور.

في نهاية التقرير، ترى واشنطن بوست أن الحرب الأهلية في السودان دخلت مرحلة أكثر وحشية، إذ تتآكل مؤسسات الدولة ويُترك المدنيون لمصيرهم بين نارين، بينما ينشغل المجتمع الدولي بملفات أخرى. سقوط الفاشر لا يُظهر فقط ضعف الجيش، بل يكشف انهيار المنظومة السياسية التي أوصلت البلاد إلى هذا الصراع المفتوح، وسط غياب أي أفق لتسوية سياسية توقف المأساة المستمرة.

https://www.nytimes.com/2025/10/28/world/africa/sudan-el-fasher-burhan-rsf.html